تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها الرئيس عبدالفتاح السيسى، للتحقيق فى تصريحات المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، عن وجود فساد مالى وإدارى بلغت فاتورته 600 مليار جنيه فى عام 2015 فقط، منذ إعلانه يوم الثلاثاء الماضى ونار الأسئلة مشتعلة حتى الآن.
الأسئلة من عينة: لماذا أدلى المستشار هشام جنينة بهذا التصريح، ثم تراجع عنه أمام لجنة تقصى الحقائق، ولماذا لجأ إلى أرشيف الجهاز مستخرجا من مخزونه كل التقارير القديمة التى يعود بعضها إلى عام 1920، أى ما يقرب من مائة عام، ولماذا استعان بجهة أجنبية لتسليمها نسخة من التقرير فى تشويه متعمد وخطير لسمعة مصر؟ وما حقيقة «مجموعة الـ14» التى تضم مراقبين ومفتشين بالجهاز يحظون بثقة «جنينة» الكبيرة ويعتمد عليهم فقط فى إعداد كل التقارير التى يطلبها بنفسه عن الإدارات والهيئات والوزارات المختلفة، ولماذا «همّش» دور 60 قيادة بارزة تتمتع بكفاءة وخبرة عالية؟
المعلوم بالضرورة أن الجهاز المركزى للمحاسبات هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، ودورها الرقابة المالية بشقيها المحاسبى والقانونى، والرقابة على الأداء، ومتابعة تنفيذ الخطة، والرقابة القانونية على القرارات الصادرة فى شأن المخالفات المالية.
إذن مهام الجهاز فنية بالدرجة الأولى، وتعتمد على أعمال محاسبية دقيقة، ولا يصدر قرارات، ولكن توصيات فى تقارير ورفعها للهيئات والإدارات والوزارات للرد عليها، ولذلك فإن التقارير ليست إدانة، ولكن ملاحظات يمكن تأكيدها أو نفيها.
وكون أعمال الجهاز فنية بالدرجة الأولى فإنها تحتاج إلى كفاءات وخبرات كبيرة، تستطيع القيام بالعمل المحاسبى بكل دقة وعدم السقوط فى بئر الأخطاء بسهولة، حفاظا على شكل ودور الجهاز الرقابى الأهم. ومن النقطة الأخيرة، نكشف وقائع غريبة تحدث فى الجهاز منذ تقلد المستشار هشام جنينة منصبه بقرار من الرئيس المعزول الإخوانى محمد مرسى، فالرجل قرر أن يعتمد على مجموعة الـ14، وهى مجموعة من المراقبين والمفتشين ليس لديهم انتماء سياسى بعينه، وينتمون فقط لفئة «عبده مشتاق»، تتقرب بشدة إلى كل قيادة جديدة تتولى رئاسة الجهاز، وتظهر ولاءها الكامل له، ونصب شباكها حوله بهدف الحصول على مزايا مالية وإدارية من ترقيات ومكافآت.
هشام جنينة رأى فى مجموعة الـ14 الفرصة سانحة لضمان ولائهم، ومساندته ودعمه فى الجهاز، وبعد زوال حكم الإخوان، زادت ثقته فيهم بشكل كبير وعهد إليهم كل الأعمال المهمة ومنها تقرير الفساد الشهير الذى ظهرت فيه خطايا وليس أخطاء، كشفتها لجنة تقصى الحقائق التى شكلها الرئيس.
استطاعت مجموعة الـ14 بناء جدار عازل بين هشام جنينة و60 قيادة كبرى بالجهاز، تتمتع بكفاءات وخبرات نادرة فى الأعمال المحاسبية والفنية، ويقودون 26 إدارة مركزية، و36 مراقبة حسابات، وجميعهم على درجة وكيل أول وزارة.
أيضا رضخ «جنينة» لكيان وهمى ليس له صفة قانونية اسمه «نادى الجهاز المركزى للمحاسبات»، أعضاؤه أقنعوه بأنهم لديهم شرعية كبرى فى الجهاز، وأن معظم العاملين من أعضائه، فحاول أن يعتبره جنينة سندا وظهيرا داعما له داخل مقرات الجهاز، ضد أعاصير الزمن العاتية.
مجموعة الـ 14 والنادى الوهمى، كانوا قد خاضوا من قبل معركة ضروسا ضد المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى السابق، الذى تصدى لهم بكل قوة، ووقف حائلا دون توغلهم فى كل كبيرة وصغيرة دون سند مهنى أو كفاءة، أو صفة قانونية، بل هناك شكاوى لا حصر لها من عدد كبير من الهيئات والإدارات والوزارات الحكومية منزعجة من أدائهم.
توصيف العلاقة بين مجموعة الـ14 وبين هشام جنينة يتلخص فى شىء وحيد، تلاقى المصالح، جنينة بحث عن ظهير وسند ودعم لتنفيذ تعليماته، وضمان ولائهم الشديد له، والمجموعة تحقق ما ترنو إليه من مكافآت وحوافز ومكاسب إدارية، ووسط هذا التلاقى، ضاعت الحقائق فى تقرير كاذب ومضلل، دفع الوطن ثمنه غاليا من سمعته التى تشوهت أمام المنظمات الدولية المعنية.
No comments:
Post a Comment